اكثر من حلقة مفرغة مابين النشوء والارتقاء بحسب المنطق الدارويني واكثر من حلقة مفقودة مابين الولادة والنمو والتوحش لتنظيم وحشي لم يظهر من العدم ولم ينشط في فراغ ولم يكن شبحا هلاميا غير محدد، انه" داعش" التنظيم الذي كان مخفيا في أجندات تنظيم القاعدة"الام" ولم تخلُ مراحل نشأته وتطوره وارتقائه من لمسات مخابراتية تعكس أجندة الدول التي انبثق منها هذا التنظيم وبسيناريوهات هوليوودية (اكشن) وذات بعد ستراتيجي مستقبلي.
ويشير خبراء الإرهاب وستراتيجياته الى ان "داعش" (مختصر الدولة الإسلامية في العراق والشام) تنظيميا وأيديولوجيا نشأ في أحضان وكواليس تنظيم القاعدة وحمل ذات الفكر والمتبنيات النظرية الا انه عمليا فاق التنظيم " الام" في الكثير من النواحي منه كونه ينطلق من محددات قروسطية اكثر تخلفا ويوغل في التكفير (تكفير كل من يخالف رؤاه وليس عنده مانع في ان يضرب بيد من حديد حتى المتواشجين معه مذهبيا ولايمتنع ايضا عن ضرب حواضنه ومؤيديه) بالإضافة الى انه يعتمد أسلوبا اكثر شراسة من ذلك التنظيم المتوحش وذلك بالاعتماد على مبدأ المباغتة والصدمة وبث الرعب وترويع المدنيين واظهر القسوة المفرطة عن طريق الميديا بنشر صور الذبح وقطع الرؤوس والإيحاء بان الجنود الذين تقع أيدي هذا التنظيم عليهم سيكون مصيرهم الذبح وفي محاولة لضعضعة الجانب السايكولوجي وهز معنويات من يفكر بالتصدي له وبحسب واقع الحال فإن "داعش" سخر شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الرعب بين الناس بطريقة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، واستخدم داعش التقنية الحديثة لتوثيق أعماله الميدانية عبر الصور ومقاطع الفيديو المروعة، بغية إبراز قوة التنظيم وإيصال رسالته إلى أكبر شريحة من البشر لكسب عناصر جديدة تدعمه على أرض المعارك كما يحرص على رفع صور القتل والتنكيل والقتل الجماعي على مواقع التواصل الاجتماعي .
ويوغل في التكفير الجماعي الى درجة انه يعتقد بان العصر الحالي هو عصر الجاهلية الثانية والناس جميعهم اما كفار او مرتدون فإما استئصالهم او اعلان توبتهم ويتوهم بانه وحده من يمثل الدين الاسلامي الصحيح وعلى جميع البشر ان يتبعوه وإلا لن يكون مصيرهم بأحسن حالاً من الذين نشرت وسائل الإعلام صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بانتهاكات "داعش" لهم خصوصا في سوريا والعراق وبذلك يكون إرهاب "داعش" متعدد الجنسيات والدول والقارات وليس يحده حد او يوقفه أي رادع مادام هو لايعترف بالحدود ويعتبر ان جميع العالم مجاله الحيوي ويطلب من جميع من يتفق معه في أطروحاته بالهجرة الى الأماكن التي يسيطر عليها من التي يسميها بدار "الخلافة" بعد إعلانها في العراق والشام التي يعدها مرتكز نشاطاته التبشيرية والتعبوية والعملياتية.
كما يختلف تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة الام ( قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين المنبثقة عن تنظيم القاعـدة) بانه تفـنن في إيصال أفكـاره وأطروحاته وكسب مؤيديه واستمرار تدفق أموال مموليه والدعم اللوجستي لحواضنه (ومن كافة دول العالم دون استثناء) باستعمال ما يتاح له من وسائل الميديا المتطورة واستغلال ثورة التطور التكنولوجي والاتصال الرقمي في توصـيل مقاصده ومرامـه بالاعتمـاد على الكثير مـن عناصره مـن ذوي الخبرة في مجـال الميديا فضلا عن ان الكثير من هذه العناصر يمتلكون مـؤهلات أكاديمية عالية والكثير من هؤلاء من جنسيات غربية وأوروبية تعلموا في أوساط علمية وتكنولوجية متطـورة وهنا تكمن خطورة هذا التنظيم الذي استطاع ان يخترق المنظومات الأمنية للكثير من الدول التي كانت تتباهى بانها عصية عن الإرهاب وان حدودها وأراضيها مؤمنة الا ان هذا المبدأ اخذ يتلاشى بعد استفحال جرائم وانتهاكات "داعش" واستمرار تدفـق مايسمـى بالجهاديين مـن الجنسيات المختلفة للانضمام الـى صفوف هــذا التنظيم وتكرار عملية ذبـح بعض مواطني تلك الدول على يد هذا التنظيم الذي هو اقرب الى وصف تنظيم مـن توصيف العصابات لان مقومات وجــوده كتنظيـم هي اقـرب لذلك. كونه اثبت انه يمتـلك حواضن لايستهان بها واذرعا
إقليمية وعالمية كثيرة في التمويل والتعبـئة والتجنـيد والتسويـق والتنفيذ .
وإذا كان نشوء تنظيم القاعدة الام معروفا غداة الغزو السوفييتي لأفغانستان ( 1979 ) وما رافق ذلك النشوء من إرهاصات إقليمية وعالمية وظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي ودواعي تأسيس هذا التنظيم الذي قام على فرضية إخراج المحتل السوفييتي "الكافر" (بعد ان سقط الدب الروسي في الفخ) ونتيجة لملابسات كثيرة تتعلق بالحرب الروسية في أفغانستان التي كانت تشكل مفصلا جيوبولتيكيا في الحسابات الروسية آنذاك ولإسقاطات الحرب الباردة فقد تغول هذا التنظيم وخرج عن سيطرة "المؤسسين" الذين تورطوا بالتأسيس ولأجندات كانت عقائدية ظاهريا في البداية وتحولت الى اجندات سيا/ طائفية بمرور الوقت ولغرض الهيمنة السيا/طائفية لبعض دول التأسيس لكي تتسيد الساحة الإسلامية لاسيما ان بعض هذه الدول تمتلك مقدرات مالية ضخمة قد استغلتها في هذا المجال وقد تحول تنظيم القاعدة الأم الى مارد عالمي خطير ومن منتصف تسعينيات القرن الماضي ليس من السهولة كبح جماحه وكسر شوكته وما مسلسل العنف والإرهاب في الحادي عشر من سبتمبر والإرهاب الذي ضرب بأطنابه العراق وسوريا الا بعض النتائـج المترتبة الظاهرة التي كشفت عن أيديولوجية ديماغوجية/ تدميرية مبيتة هـي اخطر بكثير من الأهداف المرسومة لهذا التنظيم في إخراج المحتل "الكافر" ولـم يضع المؤسسون لتنظيـم القاعـدة فــي حساباتهم الستراتيجية ان هذا التنظيم ممكن ان يتغول ويخرج عن السيطرة ويستهدف الجميع بمن ضمنهم المؤسسون والممولون والحاضنون هذا من جانب ومن جانب اخر من الممكن ان يلد هذا التنظيم التكفيري المجرم تنظيمات أكثر إجراما ورعبا منـه فكـان "داعش" الوجه الأكثر بشاعـة وقباحة ورعبـا وتدمـيرا من سلفه تنظيم القاعدة ولهـذا ليس مـن المستغرب بمكان ان نجد ان العالم كله تمحور ضد هذا التنظيم فضلا عن ان الأمم المتحدة اعتبرتـه تنظيما إرهابيا يهدد الأمن العالمي باجمعه وان المتتبـع لانتصارات الجيش العراقي وقوات البيشمركة وفصائـل الحشد الشعبي في معاركها الطاحنة ضد هذا التنظيم وسلسلة الهزائم الفادحة والانكسارات النوعية التي مني بها في الكثير من المواقع اثبتت بان "داعش" رغم وحشيته هو مجرد نمر من ورق وإذا تم الانطـلاق من هذا التوصيـف وبـدون التراخي في مكافحته او التهويل في ذلك فان هذا التنظيم ممكن ان يتلاشى او يزول لانه ليس حقيقة بل وهم وسراب .
مقالات اخرى للكاتب